المعرّي وملامح ديانة حنيفيّة في “الفصول والغايات”


فادي أبو ديب

لمن لا يملك خلفية واسعة عن شخصية “إمام الحكماء” أبي العلاء المعرّي وكتاباته وأفكاره الفلسفية والدينية سيبدو كتابه “الفصول والغايات” (تحقيق محمود حسن زناتي، 1938) مثيراً للتساؤل على أكثر من صعيد؛ فمزيج الأفكار المُسبَقة عن الكتاب ومحتواه الفريد من ناحية البنية والعَرض قد يؤدي بالقارئ إلى أن ينحو هذا المنحى أو ذاك قبل أن يسمح لنفسه بالغوص في محتوى هذا الكتاب الشائق والشائك، المُترَع بالصّعب والوحشيّ من الألفاظ وتفاصيل الحياة البدوية والتلميحات المتكرّرة إلى أحداث عربية قديمة وأماكن وأسماء وأبيات شِعريّة وملاحظات نحوية وعروضيّة وعوائص فَلَكية وغير هذا وذاك مما زَخَرت به ذاكرة المعرّي الشاسعة الامتداد وقدرته البيانية السّاحرة.

ولكنّ القراءة الأولى لهذا الكتاب (أو للجزء الأول الذي وَصَلنا منه) مع بعض المعرفة عما قيل عنه يمكن أن تجعل القارئ النبيه قادراً على الشروع في قراءته بمزيج ضروريّ من الحذر والتريّث والعين الفاحصة.  ومن أوّل ما وصلنا تاريخياً حول هذا الكتاب لغطٌ حول عنوانه، فالنسخة التي بين أيدينا معنونة بأنّها “الفصول والغايات في تمجيد الله والمواعظ”، وما قيل عنه في بعض الكتاب القديمة من التراجم بأنّ الكتاب مخطوط ليكون معارضةً أو محاذاةً للسُّوَر والآيات، وهذه إشارة واضحة إلى أنّ المعرّي قد ألّف الكتاب، لهذا السبب أو ذاك، ليأتي في نهاية المطاف شبيهاً بالقرآن الكريم.  وكان هذا الاعتقاد سبباً من أسباب رمي المعرّي من قِبَل البعض بالزندقة والإلحاد.  ومن ناحية أخرى، يلفت عميد الأدب العربي طه حسين النظر إلى بضعة أمور في هذا الكتاب، أحدها على سبيل المثال لا الحصر اللَّمز الساخر الذي يوجّهه المعرّي نحو طبيعة الوجود الذي خلقه الله وغاية الله منه، وبشكل خاص في تلك المقاطع التي يشير فيها إلى إطلاقية المشيئة الإلهية، التي تكاد تصل إلى حدود النَّزَوية الواضحة، من حيث إنّ الله كان بإمكانه أن يفعل ما يشاء بالموجودات وأن يخلقها على غير شاكلتها ولكنه ببساطة لم يُرِد ذلك، كما حين يقول أنّه “لو أراد الخالق جعل من المَقِرة سيفاً هذه صفته بغير تمكّثٍ ولا افتكار”. (ص 376). وأمثال هذا النصّ عديدة.    وفي الحقيقة، لا يمكن التسليم فوراً برؤية طه حسين لهذه المقاطع؛ فليس من الهيّن الجزم بالطبيعة السّاخرة لمثل هذه الأقوال، حيث يمكن للانطباع الأوليّ أن يشير إلى أنّها تعبّر بالفعل عن استسلام حقيقيّ للمشيئة الإلهية، ولكن من دون أن يتجاهل القارئ حقيقة أنّ بعض أقوال المعرّي الأخرى توضح بجلاء رغبته في أن يكون الوجود مغايراً لصورته الحالية، فيقول مناجياً ربّه: “ما أقدَركَ على تبديل ما نحن فيه إن أردتَ التبديلَ؛ لا أكتمكَ ما أنت به عليمٌ.  إنّ أسَفي على الدنيا لَطويل، نَفِد عُمري وغيري المُصيب”. (ص 366)

ومن منظور تاريخ الفكر الدينيّ كانت هذه النظرة عن المشيئة الإلهية إحدى مسبِّبات الشِّقاق الكبير بين المعتزلة وخصومهم؛ فمن بين ما دافع عنه المعتزلة تقييد المشيئة الإلهية بصفات إلهيّة أخرى، كالعدل، وهذا يعني أنّ الله ليس مطلق المشيئة بشكل نَزَويّ، بل يشاء بما يتوافق مع صفاته الأخرى التي من أهمها العدالة الإلهية.  ومن الطريف أنّ المعرّي يذكر بالفعل المعتزلة في موضع معين من كتابه، نائياً بنفسه عن موقفهم مِن مسألة قِدَم العالم، حين يقول: “مَرّاً بَلِيُّ، أمّا الله فأزَليٌّ، لا أعلمُ ما يقول المُعتَزِليُّ، والناس مُطالَبون على حَسَبِ العُقول”. (ص 399)

وفي أية حال، ليس المقام هنا مقاماً لتفسير أقوال المعرّي، بل لفت نظر إلى بعض المسائل التي من المرجَّح أن تثير التساؤل في كتابه.  ولعلّ أبرز هذه المسائل هو موضوع الكتاب نفسه؛ فإذا اتفقنا مع غرض “تمجيد الله”، وهو على ما يقول البعض زيادة على العنوان لم تكن في الأصل، فإنّ القارئ سيلحظ أنّ الكتاب يزخر فعلاً بالثناء على الله والتسبيح له بلغة بيانية رائعة موشّاة بطريف المحسّنات البديعية بأشكالها المختلفة، وفي هذا محاذاة شكليّة للبيان القرآني.  ولكن القارئ المعتاد على المحتوى الديني والروحي العربي سيلاحظ بلا شكّ الغياب شبه الكلّي لما يرافق في العادة المحتوى الديني المؤسس على الإيمان الإسلامي والمتفرّع منه تفرّع الغصن من الجذع؛ فاندماج نصّ المعرّي بالغاية التَّقَوية والأخلاقية يكاد يخلو من الإحالة على قصص الأنبياء، وبدلاً عن ذلك نجده مترعاً بقصص العرب وأمثالهم القديمة وشِعرهم وقصص قبائلهم، بالإضافة إلى إشارات متعددة إلى حوادث قديمة في الجاهلية وبعدها، إلى جانب أقاصيص وعِبَر وتأمّلات من عالم الحيوان، مما يجعل القارئ يشعر بأنّه يقرأ كتاباً دينياً تَقَوياً توحيدياً بلا أدنى شكّ ولكنه في نفس الوقت غير مألوف.  وهو غير مألوف لسبب ما سبق ذكره، من أنّ القارئ يواجه كتاباً عربياً تَقَوياً خالصاً، واضحاً في توحيده، ولكنه شبه خالٍ، إلّا ما ندر وتفرّق، من الإحالة على تعاليم الرّسالات النبوية أو مدح الأنبياء أو الاستشهاد بمواعظ قصصهم وسِيَر حياتهم.  ولعلّ هناك من سيجد الأمر عاديّاً لأنّ غرض الكتاب في خَلَد صاحبه قد لا يعدو ربّما أن يكون كتاب مزامير تعبّر عن علاقة شخصية ومناجاة فردية يتوجّه بها العبد إلى باريه.  ولكن إذا صحّت هذه الرؤية على “الغايات” وهي المتون الرئيسية في الكتاب—إن صحّ التعبير—فكيف تصحّ على “التفسير” وهي الأجزاء التي يتحرّر فيها المعرّي من إلزام نفسه بالشكل والمضمون وينطلق مفسّراً لسامعه الأول ولقارئه اللاحق كثيراً من الأسماء والمفردات والصور التي أوردها في المتون، مسترسلاً في بعض الأحيان في شروحاته واستطراداته واستشهاداته بقدر ما شاء وكيفما أراد؟  ففي هذا التفسير الذي يلي كلّ “غاية” لا ترد إلا بضع أحاديث نبوية، إلى جانب أحاديث عن عمر وعن الأعراب وفيض يكاد لا ينضب من أبيات الشّعر، وذلك لتوضيح بعض الملاحظات اللغوية أو لتأريخ بعض الأحداث.  وبشكل عام، لا يظهر بوضوح ما إذا كان للإحالات القليلة إلى الأحاديث النبوية أية قيمة دينية، وخارج نطاق اللغة لا يبدو أنّ لها، إلّا فيما نَدَر، أيّ مكانة تعليمية أو مرجعية روحية، وهذا ما سبق ولاحظه طه حسين.  ولا شكّ أنّ القارئ الحريص لا يمكن أن يتجاهل ورود عبارة “صلى الله عليه وسلم” عند ذكر الرسول محمد وأيضاً عند ذكر النبي إبراهيم مرة واحدة على الأقل، والتي تظهر ما يزيد قليلاً عن عشرين مرة في الكتاب كله (كما يثبت أيضاً طه حسين)، كما في قوله في شرح أحد أبيات الرجز الذي ورد بدوره في تفسيره إحدى “الغايات”: “السَّجْر: أن تمدّ الناقة صوتها بالحنين، والتحوُّب: مِثل التوجّع، وربّما كان معه بكاء وحُزن، ومنه قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ’اللهمّ اقبلْ توبتي وارحم حَوْبتي‘.” (ص 411) وفي قوله في تفسير “غاية” أخرى: “والمَعنى أنّ إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم جاء بالدِّين فأَبْرَأَ من الكُفْرِ”. (ص 452)  وبشكل عامّ، يمكن لسامع المعرّي في ذلك الوقت، وقارئه اليوم، أن يلاحظ أنّه كان يمكن لهذه الابتهالات الإلهية التي خرجت من فم المعرّي أن تصدر عن أيّ بدويّ عاش قبل الإسلام ولم يتّبع أيّ رسالة سماوية، كما يمكن لهذا السامع أو القارئ أن يستخدم هذه “الغايات” في مناجاته من دون أن يشعر بأنّه يتبع أيّاً من الرسالات الإبراهيمية.

 ولهذا، فليس من الغريب أن يبدو الكتاب لقارئه، الذي ليس معنياً لا بالدفاع عن المعرّي ولا بالهجوم عليه، مرتبطاً بروحانية غير مألوفة، تنتسب إلى عالمٍ روحيّ عربيّ اصطنعه المعرّي خارج الديانة السائدة كما استقرّت على المنابر والألسن وكتب الدين والتقوى في ذلك الزمن، ولو أنّها في نفس الوقت تكشف عن ملامح معنوية متأثرة بالبيئة الإسلامية تتمثّل، مثلاً وليس حصراً، في بعض العبارات التقليدية كالذي سبق ذكره حول الصلاة على الأنبياء أو عبارة “رحمه الله”، والتي يمكن التقدير أنّها على الأقل ضرورية للّياقة الدينية-الاجتماعية أمام السامعين الذين يتلو عليهم تفسير متونه البيانيّة أو غاياته (ولا يمكن أن نسقط بشكل كلّيّ احتمال أن تكون مثل تلك العبارات من إضافات النسّاخ اللاحقين، وخاصة في تذييل الكتاب)، وفي التلميحات إلى عدد من السلوكيات والمكارم الأخلاقية، كالصلاة والزكاة، التي عُرِفت بها الحنيفية وثبّتها الإسلام وجعلها من أركانه.  هذا بالإضافة إلى أنّه لا يمكن تخيّل كتاب المعرّي ولغته من دون اللغة التي أنضجها نصّ القرآن الكريم ووضعها على مدارج التوسّع والتشكّل ضمن أشكال تعبيرية متعدّدة (ولعلاقة اللغة العربية بالنصّ القرآنيّ شجون معاصرة كثيرة على أية حال)؛ فالمعرّي في النهاية جزء لا يتجزّأ من ثقافة العالم الإسلاميّ كما أنّه جزء لا يتجزّأ من الثقافة العربية والروحية التي سبقت الإسلام.

ولعلّ الملاحظة حول نأي المعرّي في كتابه عن مألوف اللغة التَّقَوية الإسلامية تتواءم مع ذكر المعرّي للشاعر الحنيفيّ العربيّ أميّة بن أبي الصّلت وثنائه عليه حين يقول: “وأحسَنَ أُميّة كلّ الإحسان؛ هو أحمَدُ من المنتَسِبَيْن إلى حُجْرٍ [امرئ القيس] وحَجَر [أوس بن حَجَر]، والمرقِّشِ الأكبر، والعَبسيِّ ذي العُجَر [عنترة]، وطَرَفة وابن الوضّاح [عبيد بن الأبرص]”. (ص 359) فهل هي مصادفة لغوية أن يصف المعرّيّ ابن أبي الصّلت بأنّه “أحمد” (رغم أنّه يستعمل الكلمة هنا كنعت وليس كاسم علم)؟  من الصعب أن يمرّ القارئ مرور الكرام على مسألة كهذه، رغم أنّه قد لا يكون من السليم تحميل هذه الملاحظة أكثر مما تحتمل؛ فثناء المعرّي على ابن أبي الصّلت لا يخرج عن سياق مقارنته بشعراء آخرين، فهو لم يقارنه بالأنبياء والأولياء الصالحين.  ومع ذلك يبقى الأمر ملتبساً بعض الشيء، فهل كان المعرّي يلمّح إلى شِعر أميّة، وبالتالي على خلاف جمهور النقّاد يضعه في مرتبة تتفوق على امرئ القيس الوارد اسمه في الطبقة الأولى من طبقات ابن سلّام؟  وإذا كان يقصد شيئاً آخر، فلماذا يكون أميّة محموداً أكثر من كلّ أولئك الشعراء؟  وبمَ “أحسَنَ…كلّ الإحسان”؟  لعلّ أبا العلاء لا يقصد هنا أميّة الشاعر فحسب، بل أميّة الشاعر الموحِّد بالله الذي تميّز بهذا التوحيد عن جميع أقرانه من شعراء الجاهلية.  ولكن مع هذا التفسير علينا أن نكون متيقّنين من أنّ جميع المذكورين الآخرين كانوا ممّن لا يؤمنون بإلهٍ خالق للعالم، وهذا ليس بالأمر السّهل.

وفي كل الأحوال، سيكون نافلاً أن نشير إلى أنّ كتاب “الفصول والغايات”، كأي كتاب على هذه المرتبة الحِكَميّة والبيانية، بكل ما يحتويه من طبقات متعددة من المعاني والدلالات والإحالات والإشارات، حريّ بأن يكون هدفاً لقراءات عديدة ومتكرّرة، ولا تكفي انطباعات أو ملاحظات القراءة الأولى لسبر أغواره ورصد أعماق ثناياه واكتشاف ما في طيّات أحشائه من فاخِر الدُّرّ واللؤلؤ.  ولكن السؤال يبقى دائراً حول ما إذا كان المعرّي في كتابه هذا يصدّر لسامعيه وقرّائه نوعاً ما من التقوى الربوبيّة الموحِّدة، التي تحمل هذا القدر أو ذاك من روحانيةٍ عربيّة لادينيّة (أي لا تلتزم تفصيل منظور دين بعينه دوناً عن الآخرين)، والتي قد يحسُن وصفها بأنّها حنيفيةٌ جديدة لا تقوم على شريعة مفصَّلة أو على رسالة نبويّة بل على قبول العالم المخلوق على ما فيه من مسائل عويصة وحوادث رهيبة تبعث على الحيرة والارتباك؛ وهو قبول يتجلّى بإتقان الثناء على الخالق في كلّ حين وحتى في أغرب الأحوال، في حين يبقى الموت أكبر اليقينيات: “لو غَبَرتُ ألفَ حقبةٍ ما ورد عليّ منهم [من أجداث الأقارب] كتابٌ [رسالة] ولا رسولٌ [مِرسال]، وعندي خَبَرٌ خبّرنيه المعقولُ، إنّ جُلُودَ القوم تمزّقت، واللحومَ بَلِيت وتهالكت، وصارت الأعظُم رِماماً.  أضحكُ، فلا ضَحِكتُ، وأنا بالبُكاء حقيقٌ ممّا كان ويكونُ”. (ص 441-442) ولكنّ هذا المعقول لا يقفز كما يبدو نحو استنتاجات تتجاوز بمسافة بعيدة معطياتِ “العِيان المُدرِك”، ولا يمكن أن له أن يمنح يقيناً غيبياً مطلقاً ولا يسمح باكتشاف علل الحوادث مهما صَغُرت؛ فلعلّ خلف ظاهر الأحداث التي تأتي على الناس كخبط عشواء تكمن عِللٌ مَخفيّة عن عيون الرُّقَباء.  يقول المعرّيّ: “أوحى الله إلى الأسَد أن كُلْ فلاناً، فظلّت النوائحُ بُحّاً من النَّوْح عليه في إيديهنّ خِذَم النِّعال [،] وكم اغتصب ذلك المُفتَقَدُ مَرْءوماً [ولد الناقة الذي تحنّ عليه أمّه.  هكذا ورد رسم الهمزة في الأصل].” (ص 437)

وهكذا، فبالإضافة إلى ما نبّه إليه عميد الأدب العربي حول التشابهات بين المعرّيّ والفكر اليوناني الأبيقوريّ، لا ينبغي إهمال البحث في الدور المحتمل للميراث العربيّ الحنيفيّ في تشكيل الملامح الربوبيّة عند المعرّي، وبشكل خاصّ ما وصل من شِعر أميّة بن أبي الصَّلت.

8 comments

  1. أولا يعطيك العافية على جهدك. مقالة ممتعة.
    أنا ما قرأت الكتاب وتعليقي يتعلق بما ورد في المقالة فقط.
    يبدو عنوان “ملامح ديانة حنيفية” غريبا بعض الشيء، لأن المناجاة غالبا ما تحمل هذه الملامح، فالمناجاة ليست دينا بل حديثا وهموما وأمنيات وغير ذلك يفضي بها الشخص لله. فنحن نؤمن مثلا أن ابراهيم كان حنيفا موحدا لله ونؤمن بما آمن به وهذا لا يعني أننا نكتفي بهذا الإيمان.

    طبعا كلامي ليس معناه أني أنسب المعري بالضرورة إلى هذا الدين أو ذاك ولا يهمني الأمر فعلمه عند الله هو أعلم به، لكن ما أريد قوله هو أن الكتاب كما تصفه أنت عبارة عن ابتهالات الكاتب ومناجاته وبث ما في قلبه لله، لذا فعدم ذكر الأنبياء لا يبدو غريبا بالنسبة لي مثلا. أعتقد أني إذا ناجيت الله بصوت مسموع لما استطاع شخص أن يحدد الديانة التي أنتمي إليها ولوصفني ربما بالحنفية أو الموحدة فقط. لا أعرف إذا ما كانت الديانات الأخرى تحدد طرق معينة للمناجاة، لكن في الإسلام الأمر متروك للشخص وليس هناك صيغ معينة.

    يعني مثلا، روي عن الرسول محمد أن ناجى ربه قائلا:

    “اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، إلى من تكلني، إلى عدو يتجهمني، أو إلى قريب ملكته أمري، إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، غير أن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن تنزل بي غضبك، أو يحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك”

    لا يمكن للسامع هنا سوى أن يقر بتوحيد الرسول محمد لله.

    • شكراً لك!

      اخترت مفردة “حنيفيّة” لتفادي إساءة فهم مصطلح “لادينية” وغموض مصطلح “ربوبية”. من الأفضل باعتقادي أن نقارن هذه الابتهالات بنصوص وردت عن أشخاص خلفوا النبي، لأنه من الطبيعي أن لا يذكر النبي نفسه. وكونه منشئ الدين (حتى مع أخذنا بعين الاعتبار أن الإسلام يؤكد أنه يتابع طريق السابقيت بشكل ما) فهو لن يذكر غيره من الرسل إلا بشكل متفرق وقليل الظهور. هذا متوقع وطبيعي.

      المشكلة التي أقرّ بها في مصطلح “حنيفي” هو أن الإسلان يصف نفسه أحياناً بالديانة الحنيفية، ولذلك أعتمد على قراءة المقالة لفهم مقصدي. صحيح أنه ليس كل الأدعية فيها ذكر مكثف للنبوات والأنبياء، ولكنها مع ذلك لا تخلو بالمجمل من ذكر النبي أو آل بيته عند الشيعة مثلاً، كما لا تخلو الصلوات المسيحية من ذكر المسيح أو العذراء مثلاً.

      المعري لا يهمل ذكر الأنبياء فحسب ولكنه على ما يبدو لا يذكر مظاهر التقوى الدينية المتعارف عليها إلا بشكل عابر ومتفرق، وفي أكثر الأحيان تأخذ مظهراً عاماً غير محدد، وهذا على طول الكتاب.

  2. بالإسلام السني هادا مو موجود. إذا شاء المرء ذكره وإذا لم يشأ لم يذكره. أنا تحدثت عن نفسي وقلت لك أن من يسمعني لا يستطيع تميبز ديانتي إلا أن يصفني بالموحدة. لماذا بتوجب علي ذكر الأنبياء مثلا عندما أناجي الله؟ ولماذا يتوجب علي ذكر الصلاة والزكاة وغير ذلك؟ قد يحمل الدعاء ملامح إسلامية كأن ندعو الله أن يتقبل أعمالنا من صلاة وصيام وغيرها ويعيننا عليها أو أن يثبتنا عليها أو أو. لكن المناجاة شيء شبيه بالتأمل. هو حديث مع الله عن ما يسعدنا ويؤلمنا ويخيفنا ونريده وعن العالم وما يثيره من تساؤلات وعن حكمته في هذا الأمر أو ذاك وغير ذلك، ولكل شخص طريقته.

    • نعم، الحديث هنا ليس عن الصحيح والخاطئ، بل عن المتعارف عليه. وهذا هو بيت القصيد. في معظم الأدعية التي نسمعها، يمكن تمييز ديانة ورموز صاحب الدعاء. والحديث هنا ليس عن دعاء كل شخص في منزله، بل المتداول والمكتوب. لم أبحث عن الفرق بين السنة والشيعة في هذه المسألة على أرض الواقع، ولكن البحث فيها سيكون ممتعاً.
      فعلى الأقل يكون هناك في مرحلة ما صلاة على النبي. هذا لا نجده أبداً عند المعرّي رغم أنه يصدّر كتاباً للتداول أو القراءة، وليس مجرد أدعية شخصية لنفسه. وبالتالي هو يصدّر للثقافة الواسعة كتاباً له صبغة دينية ولكن العنصر الإسلامي فيها مختلف قليلاً أو كثيراً عن المتداول. وقد لاحظ طه حسين بالمناسبة نفس الملاحظة، وهو طالب أزهري سابق ويعرف جيداً التراث الديني.
      فالمسألة ليست مسألة صح وخطأ، بل مسألة: لماذا كان المعرّي مختلفاً عن غيره في تناول هذه المسألة.

  3. اي الأدعية المنتشرة فيها هي الصبغة بس انا حكيت عن المناجاة بين الإنسان وربه. المهم، إبقى زودني بالمعلومات بس تبحث عن الفرق بين الشيعة والسنة😅. أنا حسب ما شفت انو غالبا بيذكرو الأئمة بالأدعية بس ما بعرف اذا هادا شرط أولا، أما بالنسبة إلنا الدعاء مالو شروط أبدا.

    • الحقيقة أنا لم ولا أعتقد أن الدعاء له شروط، بل ما يهمني، كمعظم الأحيان، الواقع التاريخي والاجتماعي للأمر، لأنه في النهاية هو ما يهم في الحياة اليومية وعند دراسة تاريخ الظواهر. ومن هذا المنطلق نظرت إلى المعرّي.
      يعني من أدعية الشيعة المشهور دعاء كُمَيل وهو دعاء لا تظهر فيه سمات الديانة إلا في السطر الأخير. ولكن هذا كاف.

  4. عموما انا بشوف انو في فرق بين المناجاة وتمجيد الله وبين الدعاء. يعني بالضبط متل ما انتا حكيت في أدعية الها أسماء تردد كما هي دائما، أما في المناجاة فيكون الأمر أكثر عفوية، والكتاب أقرب للمناجاة والتمجيد متل ما فهمت. يعني مثلا لو كنت رح تحكم ع المعري انطلاقا بس من هالكتاب وكأنو لم يكتب غيره، هل بتقدر تقول إنو موحد فقط ولا يتبع ديانة معينة؟

    • بالطبع لا يمكن. ومن هنا دقة عنوان المقال الذي يخص هذا العمل دون غيره. المعري من أصعب من كتب بالعربية وأعماله متنوعة وكل منها يحتاج إلى أشهر طويلة من التمحيص.

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.