العودة الأخيرة إلى جبل الزيتون


بقلم فادي أبو ديب

” ليتكَ تشقّ السماوات وتنزل! من حضرتكَ تتزلزل الجبال.”

نبوءة إشعياء، الفصل 64

نحتفل في هذه الأيّام بذكرى أهمّ حدثٍ تاريخيٍّ حصل في تاريخ الإنسان، وهو صلب وقيامة الرب يهوشوع المسيح من بين الأموات. هذا الصّليب هو النصر الرّوحي الأعظم الذي حقّقه المعلِّم في العالم الروحي، حيث زلزل كيان الظُّلمة الروحية التي كانت تغطّي قلوب الناس، وأدخل بحياته وموته ومن ثم قيامته قلوب الناس في طور المعرفة الحقيقية لما هو حقيقي وروحي، ممكِّناً بعمله هذا كلّ من يؤمن بحياته وموته الانتصاري من أن “يعرف” الآب والطريق إليه، وبالتالي ينال الحياة الأبدية منذ الآن وإلى الأبد.

هذا هو الانتصار الأوّل الذي حقّقه الرب فهو قد ” محا الصكّ الذي علينا في الفرائض الذي كان ضدّاً لنا، وقد رفعه من الوسط مسمِّراً إيّاه بالصليب، إذ جرّد الرِّياسات والسّلاطين، أشهرهم جهاراً ظافراً بهم فيه.” [1]

فهو بهذه التضحية الانتصارية الكبرى مكّن الناس من أن يعرفوا الافتراق الجوهري بين الآب والعالم، ممكِّناً إيّاهم من الخلاص الأبدي بهذه المعرفة. إلا أنّ هذا الانتصار الرّوحي ليس نهاية المطاف؛ فإقامة يهوشوع على هذه الأرض التي بدأت في بيت لحم انتهت بنصره الأكبر في العالم الروحي، والذي توّجه بصعوده إلى السماء من على جبل الزيتون قرب أورشليم.[2] أما إقامته الثانية فستبدأ من حيث انتهت سابقتها؛ من على جبل الزيتون، حيث سيبدأ مسيرته الثانية لدخول أورشليم، ليس على حمارٍ كما في المرّة الماضية، ولكن بزلزلةٍ ولهيب نار وجيشٍ عظيم، حيث “يخرج الرب ويحارب تلك الأمم كما في يوم حربه يوم القتال. وتقف قدماه في ذلك اليوم على جبل الزيتون الذي قدّام أورشليم من الشرق، فينشقّ جبل الزيتون من وسطه نحو الشرق ونحو الغرب وادياً عظيماً جدّاً، وينتقل نصف الجبل نحو الشمال ونصفه نحو الجنوب.” [3] فالصرخة التي تدعو الربّ للنزول وزلزلة الجبال في بداية الفصل 64 من إشعياء ستتحقّق، كبدايةٍ لتحقيق العدالة على هذه الأرض.

فالنصر الأوّل الذي هزم به الرِّياسات والسّلاطين الروحية التي في السماويات لن يكتمل تماماً إلا عندما يهزم كلّ الواقعين تحت تأثيرها في عالمنا البشري في مجيئه الثاني وبعد حرب هرمجدون. وكما أنّه قبل تمام النصر الأوّل دخل المعلِّم الهيكل وطهّره من دَنَس الكذب واللاحتيال ، هكذا في الدخول الثاني فإنّ “أزمنة الأمم” ستكتمل، وستُزال سيطرة غير المؤمنين به عن المدينة المقدَّسة، وتُباد الجيوش القادمة للسيطرة على أرض إسرائيل. [4][5]

لقد انطلق النصر الأول للمسيح من أورشليم، ومن نفس المكان ولكن بطريقةٍ أخرى سيتمِّم نصره الثاني، لأنّه في ذلك اليوم ستكون ” أورشليم حجراً مِشوالاً لجميع الشعوب. وكل الذين يشيلونه ينشقّون شقّاً. ويجتمع عليها كل أمم الأرض.” [5] فالرب سيجمع كل الأمم على أورشليم للمحاربة [6] ليكون قضاءه الثاني على الرّياسات الأرضية من هناك؛ من نفس المكان الذي حكم فيه على الرّياسات الروحية.

في المرّة الأولى لم يحقِّق نصره إلا معلَّقاً على الصليب على تلّة الجلجثة خارج أسوار أورشليم، أما في المجيء القادم والأخير، فسيتمِّم نصره جالساً على عرشه في أورشليم نفسها.

اليوم، في هذا الدّهر، نحن نتّخذ من الصليب شِعاراً للنصر الإلهي الذي حقّقه يهوشوع ومنحه للإنسان الذي يؤمن بحياته وعمله، فهل في الدهر الآتي سنحتفل بشعار المسيح الواقف على جبل الزيتون منتصراً ومتحضِّراً لدخول أورشليم؟

الهوامش:

[1] رسالة بولس الرسول إلى أهل كولوسي، الفصل الثاني، العددان 14 و15

[2] أعمال الرُّسُل، الفصل الأول، العددان 11 و12

[3] نبوءة زكريا، الفصل الرابع عشر، العددان 3و4

[4] إنجيل لوقا، الفصل الواحد والعشرون، العدد24

[5] نبوءة زكريا، الفصل الثاني عشر، العدد 3

[6] نبوءة زكريا، الفصل الرابع عشر،  العدد2

مواضيع مرتبطة:

زكريّا: نبوءة لامنطقية يثبت التاريخ دقّتها

زربابل بن شألتيئيل والمُلك القادم لخراف إسرائيل

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.