موطن الإنسان


بقلم فادي أبو ديب

(صور من رحلاتي في الطبيعة من هنا)

هل هي مجرّد حروبٍ وتغيّرات اقتصادية وثقافية تلك التي تقضي على المدن والحضارات، أم أنه تمرّد الطبيعة ضدنا؟

لماذا لا يكون فناء الحضارات رفضاً من هذه الطبيعة- خليقة الآب الأصلية- لما نفعله ضدها من قسوةٍ واغتصاب وتغييرٍ كاملٍ للمعالم، وأيّ فتاة أصيلة جميلة تقبل أن يعبث الناس بملامح وجهها كما يشاؤون ويرتؤون؟!

لم يخلق الرب الإله الإنسان في الطبيعة عن عبث، ولم يجعله شريكاً في تسمية الخلائق إلا لكي يكون أباً وليس مخرِّباً لها. لقد أمره أن ينمو ويكثر ويملأ “الأرض”، لا أن يخرج من هذه الأرض ليصنع لنفسه مستعمراتٍ صناعية قضت على الهواء والماء والحيوان والتربة والنفس البشرية.

لم يخلق الرب الإله الإنسان في الطبيعة إلا لأنها ضرورية لوجوده الجسدي والرّوحي. لم يخلق الأشكال والعطور المنظورة والمحسوسة إلا لأنها ضرورية له قبل أن تكون ضرورية للخلائق نفسها. ألا تستطيع الأزهار مثلاً أن تتكاثر وتتعرّف على مواطن وخصائص بعضها عن طريق مواد بدون رائحة؟ ألا يمكن للتوازن البيئي أن يحصل بدون المناظر الخلّابة والظواهر الطبيعية العجائبية؟!

منذ أن خرج الإنسان من الطبيعة وبنى الحضارة المدينية القائمة على التصنيع والتبجّح بالأنانية والعلم المجرَّد من هدف خدمة الفرد الخلّاق المخلوق على صورة خالقه؛ منذ ان فعل هذا خسر نفسه، وأفسد الظاهرة الإنسانية.

من أجل هذا تستمرّ الحضارات بالفناء. إنها حتميّةٌ لخطيئة الإنسان الجماعية. فإذا كانت خطيئة الإنسان الفردية تفسد روحه، فإن خطيئة البشر الجماعية تفسِد الظاهرة الإنسانية الأصيلة. كلّما بنى الإنسان “برج بابل” جديد أفسدته الطبيعة وحرمت الإنسان منه كالأم التي تسحب السكين من يد طفلها الساذج.

ستبقى الطبيعة تتمرّد حتى يعود لها الإنسان، وتفني كل حضارةٍ تظن أنها أنجزت الكثير وباتت عظيمةً جداً بفضل صناعتها وتقنيّاتها القاتلة للإنسان. ستبقى الطبيعة تئن وتتمرّد حتى يأتيها أبوها وملكها فيفديها ثم يغيّر شكلها إلى صورةٍ أبديةٍ أكثر بهاءً وديمومةً.

مصير البشر في النهاية العودة إلى هذه الطبيعة، سواء كان هذا طوعاً أو قسراً.

1 comments

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.